بسم الله الرحمن الرحيم

بقيع الفجيعة
بقلم : مصطفى ملا سعيد العرب

""القارعة وما أدراك ما القارعة؟ يوم انخلعت بفاجعة البقيع قلوب المؤمنين واقشعرت لها جلود العالمين وارتعشت بها فرائض الإسلام وطاشت لها عقول الأنام،قارعة يا لها من قارعة عصفت في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه،فنسفت ضراح الإمامة وطمست ضرائح القدس والكرامة ونقضت محكمة التنزيل ومطاف جبرائيل وميكائيل"" عبد الله بن حسن باشا صاحب كتاب (صدق الخبر صفحة 141) .
اجل أيها الأحبة،كان المسلمون في وداعة وسماحة منذ قرون طويلة،طوال سنتهم، وبعد إنهائهم من فريضة الحج،يعرجون على مدينة الرسول صلى الله عليه وآله،لزيارة قبره الشريف وقبر بنته الصديقة الطاهرة فاطمة بنت محمد عليها سلام الله، وزيارة قبور أهل بيته (ع) الذين طهرهم الله تطهيرا،المستقرة قبورهم في روضة البقيع،حيث حوت تلك الروضة الشريفة الإمام الحسن بن علي،الإمام علي زين العابدين،الإمام محمد الباقر،والإمام جعفر الصادق (ع)،إضافة إلى ما يقارب عشرة آلاف من الصحابة (رض) إذ أول من دفن في البقيع من المهاجرين الصحابي عثمان ابن مظعون(رض)ومن الأنصار الصحابي أسعد ابن زرارة(رض) والكثير من الهاشميين.
وقد كان المسلمون يتسابقون على زيارة تلك القبور الشريفة والأضرحة المباركة، لما حوته من شخصيات طاهرة مطهرة،من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، الذين خصهم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بآية التطهير (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وغالبا ما كانوا يجلبون الهدايا والنذور معهم،من حُلى وفُرش ثمينة وأموال. وقد كانت تلك الأضرحة الشريفة محط رحال المسلمين ولم تزل كذلك، حيث ترى الألوف المؤلفة من المسلمين صافين حول قبر النبي (ص) وقبور أهل بيته (ع) وذلك حبا وتعظيما للرسول واهل بيته الكرام،وتعظيمهم تعظيم للإسلام وتعاليمه.
ولكن وألف آه من لكن،وبعد احتلال الوهابيين لمدينة الرسول، يأتي يوم الثامن من شوال من سنة 1344 هجرية ،وتطال يد الغدر والإثم تلك القبور الشريفة والقباب البيضاء،وتحول تلك الروضة في ثلاثة أيام سود حالكة ظالمة من أيام الغدر والبطش والجور على آل الرسول،تحولها إلى ارض صفراء جرداء!؟؟ "معذرة اخوتي أخواتي فقد أخذتني العبرة ورحت في بكاء شديد ولم أتمالك نفسي حين كتبت الجمل السابقة،حيث انهم عليهم السلام مظلومين في حياتهم ومماتهم !؟".
يروي الراوي في كتابه (صدق الخبر):""إن الفرقة- يريد الوهابيين- أجبروا كثيرا من الناس على مساعدتهم ومعهم الرفوش والفؤوس،فهدموا جميع ما في المعلى من آثار الصالحين وكانت كثيرة،ثم هدموا قبة مولد النبي (ص)ثم مولد أبى بكر،والمشهور بمولد سيدنا علي(ع)وقبة السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها،وتتبعوا جميع المواضع التي فيها آثار الصالحين،وهم أثناء هدمهم يضربون الطبول ويرتجزون مبالغين في شتم القبور التي هدموها،ولم تمضي ثلاثة أيام إلا وقد محوا عموم تلك الآثار المباركة،وقد نهبت الفرقة كل ما في الحجرة النبوية من التحف والأموال والمجوهرات،وطردوا قاضي مكة وقاضي المدينة ومنعوا الناس من زيارة النبي(ص)""(صدق الخبر صفحة 152)
نعم ، يأبى أعداء الله والرسول واهل بيته، من أن تبقى تلك القباب البيضاء الناصعة،وتلك المشاهد والدور والقبور المشرفة،رمزا خالدا للمسلمين،يأبوا من أن تبقى تلك المعالم الإسلامية،صرحا شامخا يُشم منه عبق النبوة وريح التاريخ وغبار المجد والتغيير والثورة على الجهل والباطل،يأبوا إلا أن يطمسوا هذه المفاخر والمنائر الإسلامية المحمدية،لا لشيء سوى البغض لعلي (ع) وإتباع سنة إمامهم معاوية ابن أبى سفيان وابن آكلة الأكباد عليهم لعنة الله، الذي جعل من سب أمير المؤمنين علي ابن أبى طالب (ع) سنة فوق المنابر، وتطبيقا لفتوى عاقة جائرة لشيخهم ابن تيمية الأموي الناصبي الذي ما فتأ وتلميذه ابن القيم يمجدون معاويتهم وابنه يزيد،و محمد ابن عبد الوهاب الذي تلقى عنهم .
قال شيخهم بن تيمية في (منهاج السنة 185:3):لم يكن من ملوك الإسلام خيرا من معاوية،ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيرا منهم في زمن معاوية،إذا نسبت أيامه إلى من بعده.وإذا نسبت أيام أبى بكر وعمر ظهر التفاضل.وقد روى أبو بكر الاثرم،قال حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة،حدثنا محمد بن مروان،عن يونس،عن قتادة قال:لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم:هذا المهدي.
الله اكبر يا ابن تيمية،معاوية هو المهدي بتحريفه للوحي، وبوضعه آلاف الأحاديث المكذوبة على الرسول وبخروجه على خليفة المسلمين وإمام زمانه علي (ع) في الجمل،وبنكثه العهد بينه و الإمام الحسن(ع)،وبقتله الصحابي الجليل حجر ابن عدي(رض)،وبجعله الحكم ملكا عضوضا يتوارثه بني أمية،الشجرة الملعونة في القرآن و و و ....نعم هذا هو المهدي في نظر ابن تيمية ومن والاه،من النواصب جنود بني أمية أمثال أبى بكر ابن العربي صاحب (العواصم من القواصم) ومحب الدين الخطيب وأبو منتصر البلوشي،وعثمان الخميس الكويتي،الذي صرح من قناة المستقلة أن يزيد هو أمير للمؤمنين صالحا أم طالحا، وأن عليا لم يفعل شيئا للإسلام في مكة سوى مبيته في فراش الرسول ليلة الهجرة!؟؟؟
والحديث لم يزل حول معاوية، حيث يصرح الأستاذ جورج جرداق في الجزء الرابع من كتابه (الإمام علي):""إن ابرز الأمويين تمثيلا لخصائص أمية هو معاوية بن أبى سفيان،وأول ما يطالعنا من صفاته انه لم يكن على شيء من الإنسانية والإسلام""
وذات يوم في الجاهلية تقاضى عبد المطلب جد علي (ع) وحرب ابن أمية جد معاوية إلى نفيل بن عدي فقضى لجد علي،وقال لجد معاوية:أبوك معاهر وأبوه عف وذاد الفيل عن بلد الحرام
هذا هو معاوية،الذي هو لدى البعض وللأسف الشديد خليفة للمسلمين ومن الصحابة الأجلاء!!؟
ورجوعا لهدم القبور، قال ابن القيم تلميذ ابن تيمية في كتابه زاد المعاد في هدى خير العباد صفحة 661 "يجب هدم المشاهد التي بنيت على القبور ولا يجوز إبقائها- بعد القدرة على هدمها وإبطالها- يوما واحدا"
فما تقول في فتاوى أطلقها أناس تسموا بالمشيخة وليسوا منها،حيث أفتوا بوجوب هدم القبور والمشاهد الشريفة؟وكانوا مصدرا للتكفير وللفتنة الدائمة و سببا في اتساع رقعة الخلاف بين أهل القبلة،إذ لا ينظرون للأمور إلا بمنظار البدعة والشرك والكفر!!
أجل،فبعد احتلال الوهابيين للمدينة المنورة في عام 1344 ،استفتى شيوخهم- تحت التهديد والترهيب- علماء المدينة حول وجوب هدم القبور،حيث أرسل الوهابيون قاضي القضاة في نجد سليمان بن بليهد إلى علماء المدينة يستفتيهم حول بناء مراقد أولياء الله،وكان يحمل أسئلة متضمنة الأجوبة من وجهة نظر الوهابيين،وقد صدرت الفتوى بوجوب الهدم وذلك تحت التهديد!؟؟
يقول سماحة العلامة الشيخ جعفر السبحاني في كتابه الوهابية في الميزان صفحة 54 "وهذا ما حصل بالفعل،فبعدما صدرت تلك الفتوى من خمسة عشر عالما من علماء المدينة،وانتشرت في الحجاز،بدأت السلطات الوهابية بهدم قبور آل الرسول(ص)في الثامن من شوال من نفس العام،وقضت على آثار أهل البيت عليهم السلام،والصحابة،ونهبت كل ما كان في ذلك الحرم المقدس من فُرش غالية وهدايا ثمينة وغيرها،وحولت تلك الزمرة الوحشية البقيع المقدس إلى ارض قفراء موحشة" وقد نشرت جريدة أم القرى الصادرة في مكة ،في شوال 1344 تلك الأسئلة والأجوبة،وقد أثارت ضجة كبيرة بين أوساط المسلمين،سنة وشيعة.
إن هذا العدوان السافر على آل الرسول (ع)، ليس خطأ وليس اشتباها كما قال البعض،بل هو حقد دفين وبغض لئيم لعترة المصطفى(ص) وشيعتهم،فقد هجم الوهابيون قبل ذلك في العام 1216هجرية على كربلاء المقدسة،وقتلوا زوار الحسين (ع)ونهبوا ما في خزانة الحرم المطهر،وقد ارتكب الوهابيون جرائم وفظائع لا توصف،فقد قيل انهم قتلوا نحو خمسة آلاف مسلم أغلبهم من الأخوة الإيرانيين،وكرروا الهجوم على النجف الاشرف كذلك، وقد فعلوا ومثلوا تماما كما فعل ومثل يزيد وجنوده في هجومه على مكة والمدينة.
والمجازر التي ارتكبت في مزار شريف وباكستان والعراق الجريح لم تزل رطبة،وهي مثال لعنجهية هؤلاء القوم،الذين لا يعرفون من الإسلام إلا الشرك والتكفير والتصفية الجسدية.
إنا لله وإنا إليه راجعون،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون،والعاقبة للمتقين،ولا عدوان إلا على الظالمين.


متى تعاد للأمة الإسلامية مناراتها
بقلم :آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي

تبدو مقبرة البقيع لزائر المدينة المنورة وكأنها ثغرة عمرانية وسط المدينة المقدسة، وبين عمران واسع وحديث..
عمارات شاهقة وفنادق راقية وأسواق كبيرة.. وكأن هذا العمران يستثينها بتعمد غريب.. وتبدو تلك البقعة وكأنها منسية وسط ثورة عمران هائلة من حولها.. والشذوذ العمراني هذا انما يعكس وراءه شذوذا أخطر يتمثل في التفكير المتخلف واصرار السلطات السعودية على العمل بفتاوي مجموعة من علماء الوهابية خارجة عن الاجماع الإسلامي تقضي حسب زعمهم بحرمة البناء على القبور وزيارتها واعتبار ذلك شركا.. وهذا الاصرار على ابقاء قبور البقيع سوية مع الأرض بل وإزالة حتى شواهدها والألواح التي تشير إلى أصحابها. وهي مثبتة على قبور الموتى حتى من الناس الاعتياديين هذا الاصرار لا يلحق تشويها بالعمران ومظهر المدينة فحسب، والإسلام يحثنا على عمارة الأرض وان نتقن اعمالنا بما فيها العمارة، ولكنه يلحق تشويها بالاسلام ونظرة العالم إلى هذا الفعل الشاذ وكأن الأمة لا تقدر مقدساتها.. وبما يعكسه هذا الإصرار السعودي على الاستهانة بقبور أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما يعنيه ذلك من السعي لإهانة النبي الأكرم نفسه بإهانة أهل بيته، لأن القبر المهان هو إهانة لكل من يمت لصاحب القبر بصلة وعلى رأسهم هنا النبي الأكرم (ص) قال:
ان الحاجة العمرانية البحتة تستدعي بناء البقيع، إذا لم يكن بما يتناسب ومقام أصحاب القبور العظماء من آل النبي (ص) وأزواجه واعمامه وعماته والخيرة من صحبه، فليكن لا أقل بما يتناسب وأبسط متطلبات العمران وقواعد تخطيط المدن.. ان الإسلام لا يمانع من جعل المقابر في حالات معالم عمرانية سيما اذا كانت في موقع هام كوسط المدينة مثلا لو كانت هناك ضرورة أهم لذلك.. كما حدث في العديد من البلاد الإسلامية، وبمالا يعد استهانة بأصحاب القبور.. ولا نعلم لماذا هذا الاصرار السعودي على معاندة حتى قوانين العمران وضوابط المدينة الحديثة بالاصرار على اهمال البقيع وقبوره وعدم بناءها بناء يتناسب ومحيطها العمراني.
اما الحاجة العقائدية فهي أهم وأكثر إلحاحا من الحاجة العمرانية، فقلوب الملايين من المسلمين تحترق كل حين وكلما شاهدت قبور أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصفوة من أصحابه وهي كالبلى في حين لا يوجد في الإسلام ولدى، المسلمين بكافة مذاهبهم أي مانع شرعي من البناء وإقامة المساجد والمزارات على قبور الأولياء والصالحين، وما شدت عن هذا الاجماع الإسلامي الا الفئة الوهابية فقط.. وخير دليل على ما نقول هو ما نشاهده اليوم من قبور للأولياء أقيمت عليها مبان ومساجد وجعلت مزارات منتشرة في طول البلاد الإسلامية وعرضها.. في مصر مساجد ومقامات على قبور الأولياء الصالحين.. ومسجد رأس الإمام الحسين (عليه السلام) هو من أبرز معالم القاهرة حيث يروى ان رأسه عليه السلام دفن هناك، وعلى مقربة منه. مقام السيدة زينب عليها السلام التي دفنت هناك -على رواية ثانية - ومقام ومزار لمحمد بن ابي بكر (رض) وآخر لمالك الاشتر (رض) وغيرهم.. وهذه سوريا بمقاماتها الشهيرة للسيدة زينب عليها السلام.. والسيدة رقية بنت الامام الحسين عليه السلام.. وللنبي يحي عليه السلام في جامع دمشق.. وللعديد من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كحجر بن عدي (رض) وعمار بن ياسر (رض) وأويس القرني (رض) وأُبي بن كعب الانصاري (رض)..
ومن المغرب العربي حيث العديد من قبور الأولياء وحتى أواسط آسيا كقبر البخاري.. ومرورا حتى بتركيا التي على علمانية حكامها فإنهم لم يقدموا على هدم قبور الأولياء الصالحين فيها، والأردن حيث مقامات جعفر بن ابي طالب الطيار بجناحيه في الجنة وعبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة وها هو العراق الذي يكاد يفيض بالمقامات والمشاهد المقدسة للأنبياء والأئمة من أهل البيت عليهم السلام وأبناءهم.. وأصحابهم بما لا يتسع المجال لتعدادهم.. كمرقد الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام الذي بناه هارون الرشيد.. وقبور أنبياء الله آدم ونوح.. وهود وصالح، وسيد شباب أهل الجنة الامام الحسين عليه السلام والامام موسى الكاظم وحفيده الجواد والهادي والعسكري.. عليهم السلام.
وكقبر سلمان الفارسي وجابر الانصاري وحذيفة بن اليمان في المدائن وفي البصرة قبور الزبير وطلحة والحسن البصري وفي الحي قبر سعيد بن جبير.. وكذلك قبور زعماء المذاهب السنية كأبي حنيفة.. والإمام أحمد وتشهد إيران مقامات لا تكاد تعد لأهل البيت عليهم السلام وعلى رأسهم الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام، واخته السيدة معصومة عليها السلام.. وللعديد من علماء السنة.. بل حتى قبور لأنبياء من بني إسرائيل كالنبي يحقوق ودانيال عليهما السلام الذي قام اليهود بمحاولتين لسرقته مرة في عام 1961 وأخرى في أواسط التسعينات.. وهذا يوضح مدى اهتمام الأمم بقبور عظماءها حيث يسعون لسرقة جسده إلى بلادهم.. ان الأمم.. كل الأمم، مؤمنها وكافرها، تسعى بحكم العقل والفطرة إلى تكريم عظماءها لا في حياتهم فحسب، بل حتى بعد مماتهم..
ان محور الصراع على فلسطين سواء الصراع مع اليهود اليوم أو مع الصليبيين بالأمس هو حول مقدسات لاتباع الأديان، لسنا هنا في معرض الرد على الادعاءات أو شرح الدوافع الحقيقية. ولكن نتعامل مع الظواهر والنوايا المعلنة والشعارات المرفوعة التي تعكس بنسبة كبيرة حقيقة تقديس الأمم لعظماءها واحترامها لهم.. وقد رأينا المواجهة الطويلة والعنيفة بين الفلسطينيين واليهود المحتلين على الخليل بالذات وعلى المسجد الإبراهيم حيث قبر النبي ابراهيم عليه السلام.. وقبل سنوات عشنا سلسلة احداث طويلة سقط خلالها الكثير من القتلى بل سقطت حكومة في الهند حول قضية المسجد البابري وادعاءات الهندوس بوجود قبر زعيمهم في المسجد.. ومرة أخرى، نتناول القضية هنا للتدليل على مدى تقديس الأمم -كل الأمم- لقبور من تعتبرهم مقدسين عندها.. بعيدا عن صحة دعاويهم أو إيماننا بقدسيتهم. ولكن هذه حقيقة في النفس البشرية.. والشرائع السماوية.. لا تعاندها الا الوهابية القلة.. وقبل ان نسعى للرد على دعاويهم المزعومة بتحريم بناء القبور نشير إلى ان قبر محمد بن عبد الوهاب نفسه كما رآه من زاره في الدرعية ملاصق المسجد.. وهو قبر يزار وبجواره بئر يتبركون بمائه ويتوضئون منه قبل دخولهم المسجد!
ثم لماذا نذهب بعيدا بالاستشهاد بالقبور المبنية والمساجد والمزارات المقامة عليها وهذا قبر سيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومسجده المشيد على مقربة من البقيع المهدم، هو أكبر الأدلة على ما نذهب إليه.. وفي الحقيقة لم يقم النظام السعودي ببناءه ولكن هذا البناء انما هو موروث توارثته الأمة جيلا بعد جيل.. وبدء من لحظة رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كما سنرى في بعد- تماما كما توارثت الكعبة المبنية.. وتماما كما توارثت أيضا القبور المبنية لأئمة البقيع التي كانت كذلك حتىعام 1925 م عندما امتدت يد (العدوان) الوهابية لتهدمها وذلك قبل 74 عاما.. وبالتحديد في يوم 8 شوال 1344 (21 ابريل 1925 م) ولربما هموا بهدم قبر النبي ومسجده لولا خشيتهم من العواقب الوخيمة لهذا العمل.. وقد هموا بذلك فعلا.. وبدؤا في محاولات مشبوهة للمساس بالقبر النبوي الشريف ولكنهم لم يتمكنوا من الاستمرار فيها، فقد افتوا بحرمة الاسراج (الإضاءة) عند القبور، ومنعوا الاسراج عند قبر النبي (ص) في عام 1346 هجرية، ثم تراجعوا عن ذلك. وهكذا تجد اننا لا نطالب الحكومة السعودية هنا ببناء البقيع، وانما بإعادته إلى حالته السابقة كما جعلها المسلمون وأقاموا على قبور أهل بيت النبي وصحبه الأخيار القباب والبناء اللائق.. تماما كما تعاهدوا قبر نبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ولم يظهر معترضا على ذلك الا محمد بن عبد الوهاب واتباعه في السنوات المتأخرة. وعندما يعتبرون بناء القبور وزيارتها شركا وبدعة فإنهم انما ينسبون ذلك في واقع الأمر إلى جميع المسلمين قبلهم الذين بنوا هذه القبور وحافظوا على زيارتها والتبرك بها.. وما فعل المسلمين ذلك من أنفسهم بل إنطلاقا من فهمهم للقرآن الذي يصرح بذلك وبشكل واضح وجلي كما سنرى.. واقتداء بسنة نبيهم صلى الله عليه وآله.. ان القرآن الكريم والسيرة النبوية وما تلاها وسيرة المسلمين جميعا ترد على دعاوي الوهابية وبدعها التي تحرم بناء القبور وزيارتها.. وما نشير إليه في هذا المجال هو بالاستناد إلى المصادر السنية فقط.. والا فالمصادر الشيعية أكثر بكثير ونبدأ بالقرآن الكريم وهو بحمد الله موضع اجماع المسملمين جميعا بكافة طوائفهم ومذاهبهم.. قال تعالى في قصة أهل الكهف بعد ان عثر عليهم:
(.. إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) [الكهف آية 21 ] وهي أية صريحة واضحة في جواز اتخاذ المسجد على قبور الصالحين، كما فعل المؤمنون بقبور أهل الكهف عليهم السلام وبنوا عليهم مسجدا للعبادة يتعبد الناس فيه ببركاتهم.. الا ان سياق الآية جاء أيضا ليصور القضية وكأنها تشبه ما يجرى بين المسلمين وبين الوهابيين اليوم.. فهناك نزاع بيم فئتين حول ما يفعلون بقبور هؤلاء الأولياء.. فئة من المشركين في ذلك الزمن قالت أبنوا عليهم بنيانا كالذي يبنى على القبور، وفئة من المؤمنين الذين تغلب رأيهم في النهاية حيث قالوا: لنتخذن عليهم مسجدا.. وفي الحقيقة لكل فئة دوافعها لذلك.. الفئة المشركة يهمها طمس آثار الدين وكل ما يذكر الناس بالله كأصحاب الكهف.. لذلك كان يهمهم ان يطمس أثرهم في أسرع وقت.. اما الفئة المؤمنة. ومنطقها الإيماني فإنها تحرص على المحافظة على أي أثر إيماني يبعث في الناس الإيمان ويذكرهم بقدرة الله وآياته.. وأهل الكهف هم آية من آيات الله حتى بعد مماتهم.. وما أكثر آيات الله الصامتة.. وها هي نراها منتشرة حولنا كالشمس والقمر والسماء والكواكب.. وغيرها.. وهكذا النبي والإمام والولي الصالح وان كان ميتا ومدفونا تحت الثرى لكنه آية من آيات الله تؤثر في الناس بعد مماتها كما أثرت فيهم في حياتها.. والآن.. مع أي فئة يمكن تصنيف الفكر الوهابي الذي يصر على طمس آثار قبور أئمة الهدى وأولياء الله الصالين ويحرم -من عنده- إقامة البناء أو المساجد عليها..
وفي الحقيقة ان المشركين في زمن العثور على أصحاب أهل الكهف كانوا أقل تطرفا من الفكر الوهابي المتحجر اليوم. فقد كان من رأي أولئك المشركين ان يبني بنيانا على تلك القبور.. اما الوهابية فإنها لا تجيز حتى هذا المقدار وتصر على تسوية القبور بالأرض ونزع أي شواهد أو علامات أو ألواح صخرية تشير إلى أصحابها!!
والحقيقة إلى جانب هذه الآية الكريمة الصريحة في جواز بل تغليب رأي بناء المساجد على قبور الأولياء.. فإن آيات عديدة في القرآن.. بل الكتاب الكريم في مجمله هو دعوة دائمة للتفكر في أحوال الماضين من الصالحين وغيرهم لنقتفي أثر الصالحين ونعتبر من مصير غير الصالحين.. وهذه دعوة غير مباشرة للاحتفاظ بآثار الماضيين، وفننظر لها ونأخذ منها العبر والدروس.. ولعل قبر الإنسان الصالح هو من أبرز ما يذكر به. لقد احتفظ رب العزة بآثار آل موسى وهارون ورفعها للسماء عندما استخفت بها بنو إسرائيل ثم اعادها تحملها الملائكة عندما بعث الله لهم طالوت ملكا قال تعالى: (وقال لهم نبيهم ان آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ان في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين). (البقرة 248).
ان الله سبحانه وتعالى يريد ان يرينا آياته بطرق عديدة .. (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق..).. ومن تلك الطرق أيضا.. الموتى الذين سبقونا.. سواء كانوا صالحين أو طالحين. ان فرعون هو أبرز مثال للإنسان الطاغي الذي أراد الله ان يبقيه ببدنه وهو ميت لكي يكون للبشرية آية تدل على قدرة الله سبحانه وعجز من يناؤه قال تعالى (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وان كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون).. وإذا كان رب العزة، يحافظ على بدن الميت السيء ليكون آية للناس.. فكيف لا يكون الصالح الميت آية من آيات الله.. ويريد سبحانه ان يبقيها منارا للبشرية.. لقد جعل الله سبحانه أجساد الصالحين الميتة آية للناس ساهمت في هدايتهم وإيمانهم.. فجعل من موت نبي الله عزير عليه السلام آية عندما أماته مئة عام، قال تعالى: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه.. ولنجعلك آية للناس..) وفي قصة البقرة الشهيرة.. التي كان محورها ذلك الرجل القتيل من خيار بني إسرائيل.. فجعل الله سبحانه من موته واحياءه بعد موته آية من آياته (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون).. إذن.. ففرعون الميت.. آية للناس بعد موته.. الا يكون النبي أو الإمام أو الولي آية للناس بعد موته؟!.. مثل ما صار أهل الكهف عليهم السلام.. والنبي عزير عليه السلام والرجل الخير من بني إسرائيل وسواهم.. آيات الله بعد مماتهم؟ أجل هم كذلك.. وعندما يزورهم الزائر ويقف امام قبورهم يعيش حالة روحية ونفسية عظيمة لا توصف.. ويتذكر ويتهيء للأخذ بالقيم والمبادئ والمواقف الشاهدة التي مثلها صاحب القبر الطاهر.. فيبعث في النفوس كل الخير ويحثهم على المضي على طريقتهم الصالحة. ولذلك لم يكن عبثا ان يحث النبي على زيارة الموتى ولاسيما الصالحين منهم بل يقوم هو بذلك.. فزار قبر أمه آمنة عليها السلام فبكى وأبكى وقال: استأذنت ربي ان أزورها فإذن لي كما جاء في صحيح مسلم ج 3 ص 325، وفي سنن النسائي ج 1 ص 286 وسنن ابن ماجه ج 1 ص 245 وفي صحيح مسلم أيضا عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يخرج آخر الليل لزيارة قبور البقيع ويسلم عليهم.. السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين والمسلمات. وأحاديث أخرى كثيرة لسنا في موضع يسمح بمزيد من التفصيل كما كانت ابنته فاطمة عليها السلام تزور قبره صلى الله عليه وآله وسلم وقبر حمزة سيد الشهداء. وذكر السهودي في وفاء الوفاء ج 2 ص 413 عن الحافظ الامياطي: ان زيارة قبور الأنبياء والتابعين والعلماء وسائر المؤمنين للبركة اثر معروف.. وقال الغزالي: كل من يتبرك بمشاهدته في حياته يتبرك بزيارته بعد موته ويجوز شد الرحال لهذا الغرض.
كان لنا في العدد الماضي مرور سريع على قضية زيارة القبور وشرعيتها بل واستحبابها لدى جميع المذاهب الإسلامية والكتب السماوية، وفي هذا العدد نبحث قضية البناء على القبور وإقامة المساجد عليها فهي تعتبر سنة الأنبياء عليهم السلام جميعا وهي سنة خاتمهم وسيدهم المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكلنا يعلم ان قبور معظم انبياء الله هي اليوم في مساجد ومقامات عظيمة.. كالنبي إبراهيم عليه السلام وبنيه في.. والنبي داوود ويوسف في القدس.. وكان قد نقله النبي موسى من مصر إلى هناك وآدم ونوح ضجيعي الامام علي بن أبي طالب في مشهده العظيم في النجف الأشرف.. والنبي يحيى عليه السلام في دمشق.. وغيرهم..
وقد دفن نبي الله اسماعيل أمه هاجر في بيت الله الحرام وعند الكعبة المشرفة بالتحديد.. وقد ذكر قطب الدين الحنفي في تاريخ مكة ان في المسجد الحرام وعند الكعبة بالذات في الحجر المعروف بحجر إسماعيل سمي حجرا لأن اسماعيل عليه السلام دفن أمه هاجر في هذا المكان. كما دفنت فيه عذارى بناته ودفن هو فيه بعد ذلك!
وأما عن سيرة المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في وفاء الوفاء للسمهودي عن ابن ابي مشبه بسنده إلى محمد بن علي بن ابي طالب عليه السلام في فاطمة بنت اسد عليها السلام حضر دفنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بحفر قبرها في موضع المسجد الذي يعرف بقبر فاطمة، وفيه أيضا ان مصعب بن عمير وعبد الله بن جحش دفنا تحت المسجد الذي بني على قبر حمزة عليه السلام (لا حظ ص 115 وص 105 ج 2 من الكتاب المذكور)
وعليه.. فلا مانع من اتخاذ مسجد عند قبر أو قبر عند مسجد انما المانع هو ان يكون القبر يعبد من دون الله، وهذا لا يوجد في دنيا الاسلام، ولا عبرة لمتوهم أو مغالط فإن التوهم أو المغالطة لا يغيران من الحقيقة شيئا، فالمنهي عنه هو ما يعبد من دون الله سبحانه.
وجاء في وفاء الوفاء ص 203 ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم - أي وضع علامة - حجر على قبر عثمان بن مظعون (رض) لئلا يضيع اويدرس وكان يزوره فرفعه مروان بن الحكم بغيا وعدوانا. وان فاطمة الزهراء عليها السلام علمت على قبر حمزة عليه السلام بحجرللغرض نفسه. ومما في الكتابة ما ذكره السمهودي أيضا من خبر حفر بئر في دار عقيل ووجود حجر مكتوب عليه هذا قبر ام حبيبة بنت صخر بن حرب - وهي إحدى أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم -فدفن عقيل البئر وبنى عليه بيتا لقبرها. وخبر دفن محمد بن زيد بن علي عليه السلام حيث حفروا في البقيع فوجدوا حجرا مكتوب عليه هذا قبر ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. وخبر الحجر الذي نقش عليه هذا قبر فاطمة بنت رسول الله والحسن بن علي وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهم السلام) هذا كما في وفاء الوفاء أيضا وفي مروج الذهب وغيرها. وهؤلاء من أقرب الناس إلى السنة النبوية الشريفة والعمل بمقتضاها.
لقد دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غرفة مبنية وجاء في ج 3 ص 400 من هامش السيرة الحلبية ما يشير إلى ان ذلك كان يشبه وصية منه صلى الله عليه وآله وسلم. كما دفن ابو بكر وعمر فيها بعد معه في الغرفة.
وعليه فلو كان القبر داخل بناء لا يجوز لأمر بهدمه أو لهدمه الصحابة، في حين ان الأمر على العكس، فلقد بنوا له ملحقا وبنى عمر حائطا وبنت عائشة حائطا بينها وبين القبور، ولما سقط بناه ابن الزبير، وجدد بناؤه عمر بن عبد العزيز وآزر الحجرة التي فيها قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وصاحبيه بالرخام، وبنى لها حظارا (يعني صحنا محيطا بها)..
هذا عن قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. واما من يليه من الآل عليهم السلام والأصحاب، فمن ذلك ما جاء في وفاء الوفاء للسمهودي ج 2 ص 100 عن ابي شبه ان سعد بن معاد دفنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طرق الزقاق الذي يلزق بدار المقداد بن الأسود الكندي في التي يقال لها دار ابن أفلج في أقصى البقيع عليها جنبذة (هي القبة كما في القاموس للفيروز آبادي).
وان قبر العباس ابن عبد المطلب وقبور أهل البيت عليهم السلام في دار عقيل في البقيع (نقلا عن كتاب مائة مسألة مهمة حول الشيعة لمؤلفه السيد مهدي محمد السويج). وهكذا ترى ان فتاوى الوهابية لا تستند إلى أي أساس شرعي وتاريخي.. بل ان شرع الإسلام وتاريخه هو على العكس تماما من دعاويهم بحرمة البناء على القبور واتخاذ المساجد عندها.. وهي دعاوي مردودة بنص القرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية المطهرة وسيرة السلف الصالح من بعدها.
لقد أتيحت لي فرص لزيارة مقابر في أوروبا واذكر بالخصوص مقابر في بريطانيا. في لندن وغيرها.. ووجدت قبورا لمسلمين وقد أقيمت عليها قباب! وهي لناس عاديين ودت عوائلهم ان تبني لهم ذلك.. المهم في الأمر، ان الحكومة الانجليزية لا تعترض على ذلك ما دامت هذه قناعة للمسلمين وتقدر عقيدتهم، وإذا بك ترى عدة قباب وسط مقبرة انجليزية!! هناك أيضا مقامات مماثلة في الهند يقدر حتى الهندوس اقامتها ولا يطالبون بهدمها فالحزب الوهابي إذا كابر في الدفاع عن صحة فتاواه على هشاشتها وابتداعها، فهل يكابر في أهمية احترام رأي واجتهاد المسلم وعقيدته! وهو مسلم مثله.. له حق في البقيع.. وله حق في ابداء رأيه واجتهاده في بناء قبور الأولياء الصالحين فيه.
حين دخل عمر بيت المقدس. لم يرو التاريخ انه اعترض أو أمر بهدم قبور الأنبياء عليهم السلام التي لا تزال قائمة.. رغم ان الذين بنوها من غير أبناء هذه الأمة.. ان هذا يوحي بأمرين: الأول ان بناء القبور وإقامة المعابد والمساجد عليها قضية شرعية ولو لم تكن كذلك فلماذا لم يعارضها عمر؟
كما يشير ذلك إلى ان العقيدة الإسلامية تحترم حتى عقائد اتباع الأديان الأخرى.. فكيف الأمر بعقائد المسلمين أنفسهم.. وحتى التي لا تجدلها وزنا عند دعاة الوهابية.
وقد يقول قائل منهم ان النبي أو الولي لا يفيد شيئا بل المطلوب الالتفاف والتوجه إلى ما خلفه من سنة وتعاليم وأحكام.. ونقول ان هذا هو هدفنا أيضا.. ولكن للوصول إلى هذا الهدف وسائل عديدة.. وزيارة قبور النبي وأهل بيته هي واحدة من أهم الوسائل التي تجعل الناس يتوجهون لتعاليمهم.. ان وقفة امام قبر النبي أو الولي من أهل بيته يعيش معها الإنسان حالة روحية ونفسية خاصة لا توفرها لنفسه القراءة النظرية لسيرته وسننه صلى الله عليه وآله وسلم.. ان هذه نعمة من نعم الله تعالى.. الا ترى انه سبحانه جعل الاستغفار والتوبة ولكن جعل النبي بابا لعفوه وغفرانه..
وكما رؤية النبي لها عطاءات عظيمة.. أليس تفرقون بين من رأى النبي وتجعلون له الأفضلية على من لم يره.. فهذا صحابي..وذلك تابعي.. وهكذا. كذلك الوقوف على قبره وقبر الأولياء أهل بيته والصالحين من صحبه.. تعطي للإنسان زادا روحيا عظيما قد يكفيه طوال حياته.. وكم وكم أولئك الذين تحولت حياتهم لوقفة وقفوها عند قبر نبي أو ولي.. ولا يخفى ان الكتب ليست متوفرة للناس جميعا.. وحتى لو توفرت فإن الأكثرية لا تقرأ أو لا تتعمق في قراءتها.. ولكن زيارتها لقبور عظماءها من الأنبياء ملائمة تزودها بشحنات عظيمة من الإيمان.. والالتزام بأحكام الدين.. ولعمري تلك هي أهداف رسالات الأنبياء.. ولماذا نمنع تحققها عن طريق زيارة قبورهم.. ونجعل طريق الهداية طريقا واحدا وهو قد لا يتوفر للجميع أو قد لا يتمكن الكثير من ان يسلكوه، بسبب مشاغل الحياة المعروفة. نقول ذلك.. ونؤكد انه حتى كبار العلماء عندما يقفوا في حضرة النبي أو الإمام فإنهم يحصلون على زاد روحي وإيماني لا يتمكنون من تحصيله بالقراءات والبحوث النظرية البحتة.. الا تلاحظ مثلا ان أروع القصائد الروحية انما كتبها أصحابها في أجواء مكة والمدينة، حول البيت وحول قبر النبي وأهل بيته.. أو من وحي زيارات الشعراء لتلك الأماكن.. كرائعه إقبال اللاهوري وغيره من الأدباء.
وقد يقول قائل ان القبور هي للاعتبار وتذكر الموت ومصير الإنسان في النهاية ومن الأفضل ان يبقى القبر باليا ليذكرنا بالفناء. وهذا صحيح وغير صحيح. صحيح بالنسبة لعامة القبور ولكن ليس صحيحا بالنسبة لقبور عظماء الأمة وقادتها التي ينبغي ان نتذكر بالوقوف عندها أكثر من مجرد ذكر الموت.. فذكر الموت متاح على كل حال وفي كل حين.. سواء بالتفكير فيه أو عما نراه يوميا من موتى أو أخبارهم وها هي القبور أكثر من اعدادنا والمقابر تحيط بمدننا وقرانا.. بل لا يظن المعري في قصيدته ان أديم الأرض الا من هذه الأجساد ويطالبنا بتخفيف الوطأ عليها.. (خفف الوطء ما أظن اديم الأرض الا من هذه الأجساد) ولكن العظماء حالة أخرى مختلفة هم صفوة وقلة، ينبغي ان نقف عند قبورهم لا لتذكر الموت والفناء لانهم ليسوا من أهل الدنيا لنقول هاهم قد انتهوا.. بل لم يكن أحد يذكر الموت ويزهد في الدنيا مثلهم، انما نقف لنتذكر القيم العظيمة والمبادئ والتضحيات التي بذلوها من أجل الدين والمواقف العظيمة التي اتسمت بها حياتهم، وذلك يبعث دواعي الالتزام الأوثق بتلك المبادئ والعزم على المضي في طريقهم.. لقد افنوا أعمارهم وأموالهم وضحوا بكل شيء من أجل الدين هل نقف عند قبر النبي لنتذكر الموت، ام لنذكر هذا الإنسان العظيم الذي بداخله.. أفضل الخلق وخاتم النبيين وسيد المرسلين، فتعيش مشاعر لا توصف هي أهم من مشاعر ذكر الموت.. هي مشاعر تولد فيك عوامل الاستعداد للموت.. لان الألم من ذكر الموت، هو الاستعداد له بالعمل، بل ذلك هو الهدف من تذكر الموت.. وحافز العمل والإيمان انما تصل عليه من هذه القبور الطاهرة.. الا ترى -على سبيل المثال- ان العالم اليوم يبني قبور من قتل في معارك يعتبرها عظيمة.. يبنيها بشكل مميز، بل ويبني نصبا تذكاريا لمن فقد في تلك المعارك.. لأنه لا يريد من الناس ان يتذكروا الموت إذا وقفوا امام هذه القبور أو النصب، بل يريدهم امام هذه القبور بالذات ان يتذكروا التضحيات التي قدمها هؤلاء لأوطانهم وأممهم، ويثير بذلك في الناس روح التماسك والالتفاف حول مبادئ تلك الأمم والاستعداد للتضحية من أجلها..
والأمة الإسلامية، وهذا الإسلام الذي نتنعم به، من جاء به وأرسى دعائمه وثبت أركانه سوى أصحاب هذه القبور بدء من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته والخيرة من أصحابه.. حيث قام الإسلام وتثبتت أركانه بتضحيات محمد.. وعلي .. وخديجة.. وفاطمة .. والحسن .. والحسين.. والأئمة من ولده عليهم السلام فتقف عند قبورهم لنعيش مشاعر الثمن العظيم الذي قدموه ليصل الإسلام إلينا.. ويحملنا ذلك على عدم التفريط في هذا الدين وعدم التباطؤ عن نصرته والاستقامة على منهاجه. ولذكر الموت.. على أهميته. مناسبات وأماكن أخرى ما أكثرها..
بقيت إشارة أخيرة.. وهي ان الفكر الوهابي فكر متقلب وغير ثابت، وهذه أبرز الأدلة على بطلانه ولان احكام الدين تتميز بالثبات.. والاجتهاد الرصين لا يتقلب أصحابه يوما بعد آخر، سواء من جهل أو تبعا لاهواء سياسية وأغراض الحكام.. واليكم إشارات سريعة على تراجعات الوهابية عن فتاويها وهي في الطريق للتراجع عن البعض الآخر (ولكن للأسف بعد ان تلحق التشويهات بالدين ويدفع الناس ثمنا غاليا لها)..
- أشرنا إلى قضية منعهم الاسراج عند قبر النبي عام 1346 هـ ثم تراجعهم فكيف صار الاسراج حلالا بعد ان كان محرما في الشريعة الوهابية؟!
- تراجعوا عن حرمة السياقة بالنسبة للمرأة.. وسيسمح قريبا للمرأة السعودية بالسياقة بعد سنوات طويلة من المنع غير الشرعي والذي استغله اعداء الإسلام مادة لتشويهه كما رأيتم.
- تراجعوا عن عدم جواز رمي الجمرات الا بعد الزوال، أو هم في طريقهم لذلك بعد ان سبب هذا في العديد من المجازر غير المبررة في أوساط الحجيج، إذ تنهمر الجموع في وقت واحد وضيق.. وعندما تكون الشمس في أوج حرارتها وتعلمون ماذا كان يحدث كل عام عند الجمرات تقريبا.
- يستعدون للتراجع عن حرمة بناء مباني بدل الخيم في منى بعد ان ضج الناس لكثرة الحرائق التي تشهده منى سنويا تقريبا ويذهب ضحاياها الكثير من ضيوف الرحمن.
- حرموا فيلم الرسالة الذي كان له اثر كبير في تعريف الإسلام للمسلمين وغير المسلمين وحاربوا الفيلم أشد محاربة.. تراجعوا في الآونة الأخيرة.. وأصبحت الفضائية السعودية أكثر الفضائيات بثا لهذا الفيلم ولكن بعد أكثر من عشرين عاما على إنتاجه!
ان هذا يشير إلى ان الحركة الوهابية هي حركة فوضوية ليس لبدعها أي أساس ديني ويشير في أحسن الظروف إلى انها حركة سياسية وليست دينية هدفها تمرير سياسات الحاكم واهواءه عن طريق الافتاء باسم الدين.. وقد كانت ولا تزال قضية قبور البقيع واحدة من أبرز ضحايا هذه الحركة المشبوهة..


البقيع وحقوق الانسان
بقلم :الاستاذ صادق جبران

البقيع هو المقبرة الرئيسة لأهل المدينة المنورة منذ عهد الرسول ، ومن أقرب الأماكن التاريخية إلى مبنى المسجد النبوي حالياً، يقع في مواجهة القسم الجنوبي الشرقي من سوره، وقد ضمت إليه أراض مجاورة وبني حوله سور جديد مرتفع مكسو بالرخام. وتبلغ مساحته الحالية مائة وثمانين ألف متر مربع؛ ويضم البقيع أربعة من أئمة المسلمين من أهل بيت رسول الله وهم:
1 ـ الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب .
2 ـ الإمام علي بن الحسين زين العابدين .
3 ـ الإمام محمد بن علي الباقر .
4 ـ الإمام جعفر بن محمد الصادق .
ويروى أن عشرة آلاف صحابي دفنوا فيه، منهم أمهات المؤمنين زوجات رسول الله عدا خديجة وميمونة، وابنه إبراهيم، وعمه العباس، وعمته صفية، وغيرهم كثير. كما يضم رفات الآلاف المؤلفة من أهل المدينة ومن توفي فيها من المجاورين والزائرين أو نقل جثمانهم على مدى العصور الماضية. وقد وردت أحاديث عدة في فضل البقيع، وزيارة رسول الله والدعاء لمن دفن فيه، منها: أن رسول الله كان يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد». لذا تستحب زيارة البقيع والدعاء لمن دفن فيه اتباعاً لسنة المصطفى .

أحد قبور المعصومين عليهم السلام في مقبرة البقيعإلا أنه في اليوم الثامن من شوال 1344هـ امتدت بعض الأيادي التكفيرية فهدمت قبور أبناء رسول الله وعترته الطاهرة في البقيع، وقبور شهداء أحُد وسيدهم حمزه سيد الشهداء وقبور غيرهم من الصحابة الكرام، بمرأى من المسلمين ومسمع منتهكين حرمة خيار المسلمين بانتهاك حرمة قبورهم وتدنيسها فقد قال رسول الله حُرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً، ومنتهكين حقوق ملايين المسلمين بحقهم في الحفاظ على ما يعتبرونه أماكن دينية مقدسة عندهم وذلك بغلبة القهر والقوة في فترة تاريخية اعتقدت فئة محدودة من المسلمين أن الغلبة ستدوم لهم وإلى الأبد ضاربين بمشاعر من خالفهم من المذاهب الإسلامية الأخرى عرض الحائط متخندقين حول رؤية أحادية ضيقة ومتناسين أن هذه البقعة المباركة يفد إليها كل المسلمين بمختلف ألوانهم وطوائفهم. ومتناسين أن هذا المجتمع يتشكل من مجموع المذاهب الإسلامية التي لا يستطيع أي منها أن يدعي بأنه يشكل أغلبية السكان في هذه البلاد، وغير مدركين أن سر تميزه وما يضمن له الحيوية هو هذا التعدد المذهبي.

إن ذكرى تهديم قبور أئمة أهل البيت والصحابة في جنة البقيع وفي تجدد ذكراها السنوية تجدد طرح الأسئلة الحيوية المتعلقة بتعددية هذا المجتمع من جهة وبالحرية الدينية والمذهبية من جهة أخرى التي ظلت فئة من أبناء هذا المجتمع تعده حكراً عليها دون أن تعطي الآخرين الحق في ممارسة شعائرهم ودينهم وكل ما تعلق بذلك بحرية تامة دون إكراه أو ضغط أو تعرض لهم من الآخرين في جو تسود فيه المحبة والتسامح بين مختلف المذاهب والتوجهات، هذا التسامح الذي لا غنى لمجتمعنا عنه للنهوض مجدداً والوقوف بوجه التحديات الكبرى التي تتعرض لها المنطقة بصورة عامة وبلادنا بصورة خاصة.

لقد أصبح جلياً لكل ذي لب أن التزمت الديني وعدم السماحة وما تبع ذلك من ممارسات تكفيرية وتبديعية هي التي جرت الويل والخراب على بلادنا بل حتى على أولئك الذين مارسوا لعبة التكفير البغيضة. إنها نار تحرق كل من يحيط بها ثم تحرق مشعلها.

إن هذه الذكرى تدعونا اليوم لنجدد الدعوة لأهمية قيم حقوق الإنسان وبالذات المختلف معنا في الرؤية وضرورة الاعتراف بالآخر واحترام مشاعره وما يعتقد به وأن نقرر جميعاً بوضع حد لمثل هذه الممارسات في حاضرنا ومستقبلنا لكي نعيش بسلام إلى ذلك اليوم الذي نرقد فيه بسلام وقد تكون ساعتها جنة البقيع مثوى كريما لنا ولن يتحقق ذلك إلا باحترامنا لهذه القيم الدينية والإنسانية فحقوق الإنسان أولاً.


إمبراطورية الشر أم الخير تنتظر العالم؟
قراءة وإعداد: بسام محمد حسين

لاحظ تقرير إن استنتاج مفهوم الإمبراطورية في العصر الحديث لم يعد يرتبط باتساع الامتداد الجغرافي من طريق احتلال الأرض بقدر ما يرتبط بالقدرة على التحكم في اقتصاديات العالم وتوافر السيولة النقدية والتقدم العلمي والتكنولوجي والسيطرة على التجارة العالمية وبعض الجوانب المدنية الأخرى المرئية وغير المرئية، وهي كلها مزايا تتوافر لأمريكا أكثر مما تتوافر لأية دولة من الدول الكبرى، وأمريكا تدرك ذلك تماماً وتعرف كيف توجه هذه القدرات المتعاظمة لتحقيق مصالحها بصرف النظر عن مصالح الآخرين، كما تعرف كيف تستغل جوانب الضعف والنقص في غيرها من الدول لكي تبسط نفوذها بحيث تتحول هذه الدول إلى توابع تدور في فلكها وتنفذ أوامرها ووصل الأمر بالقوة الأمريكية إلى الحد التي تستطيع معه توقيع العقوبات الاقتصادية على الدول الأخرى (المارقة) التي ترفض الانصياع لسياستها، وأضاف التقرير ساعدت الظروف والأوضاع المضطربة على أن تتدخل في كثير من مناطق العالم برغبة من أهلها في الغالب وبدعوة منهم للمساعدة في حفظ أمنهم وكيانهم، وقد أفلحت في أن ترسي ولو ظاهرياً قواعد الديمقراطية في عدد من الدول التي كانت تعاني من الحكم الديكتاتوري وتسهم في تسوية النزاعات السياسية والإقليمية وتعمل باسم السلام الأمريكي أسوة بالتعبير القديم (السلام الروماني) وأدت التغييرات العالمية في مجال السياسة والعلاقات الدولية والبحث العلمي والتقدم التكنولوجي إلى أن يصبح مفهوم الإمبراطورية مفهوماً أيدلوجياً له أبعاد جديدة تختلف عن مجرد الوجود العسكري وإخضاع الشعوب بطريقة مباشرة واستغلال مواردها الاقتصادية لمصلحة القوة المهيمنة، وهو يعتمد على الإنجازات العلمية الهائلة، خصوصاً تكنولوجيا الاتصال لنشر أفكار والثقافة والتحكم في عقول الناس وهو كلها خصائص تتوافر لأمريكا وتسوغ لها أن تصبح الإمبراطورية القوية الوحيدة، وأشارت الدراسة إلى أن هذا التحول دفع الكثير من المفكرين الأمريكيين إلى الشك في ما إذا كانت هذه الهيمنة في مصلحة أمريكا والإنسان الأمريكي الذي يؤمن بالنظام الجمهوري ويعتز بالديمقراطية والعدالة والكرامة الفردية، فالنظام الإمبراطوري يتعارض تماماً مع نظام الحكم الجمهوري الذي يؤلف عنصراً أساسياً في الفكر الأمريكي منذ حروب الاستقلال، لذا فإن قيام إمبراطورية أمريكية تضطلع المهمات التي يتصورها ساسة أمريكا في الوقت الحاضر قد يحمل بين ثناياه بذور انهيار أمريكا دولة جمهورية ومجتمع ديمقراطي، لكن فكرة الإمبراطورية الأمريكية الكبرى والوحيدة تلقى في الوقت ذاته كثيراً من القبول والرضا لدى قطاعات كبيرة من المجتمع الأمريكي الذي تبهره مظاهر العظمة والقوة ويشعر بالفخر والكبرياء إزاء المكانة الذي تتمتع بها أمريكا الآن ولا يرى ما يمنع من أن تصبح أمريكا إمبراطورية – بل أنها إمبراطورية فعلاً مادام لديها كل مسوغات النظام الإمبراطوري من حيث القوة العسكرية والهيمنة السياسية والسيطرة الاقتصادية والتقدم العلمي والتفوق التكنولوجي وزادت من قوة هذه الاتجاه أحداث أيلول وما شعر به الأمريكيون من مهانة لن يمحوها سوى الالتجاء إلى القوة لتغلب على المخاوف الداخلية والسيطرة على العالم كله، وليس فقط على قوى الإرهاب، ويرى بعض المفكرين الذين يناصرون فكرة الإمبراطورية الأمريكية أنها ستكون نوعاً مختلفاً من الإمبراطوريات بحكم الظروف القائمة فعلاً، وأنها ستقوم أيضاً على أسس ومفاهيم مختلفة تتناقض تماماً مع كل الأسس والمفاهيم التي كان يعتنقها النظام الإمبراطوري القديم، فيما يرى الكاتب فيكتور ديفيد هانسون وهو أحد كتاب مجلة ناشيونال ريفيو الأمريكية أنها إمبراطورية من نوع مضحك، في مقارنة بين الإمبراطورية الرومانية باعتبارها المثال الأعلى الفذ للنظام الإمبراطوري وبين الأسس التي تقوم عليها الإمبراطورية الأمريكية ودافع هانسون عن الشعب الأمريكي بأن شعب لا يعاني من طموحات أو تطلعات إمبريالية وأن الأوضاع في أمريكا تختلف اختلافاً جذرياً عما كان سائداً في الإمبراطورية الرومانية، لأن اتجاهات الدولة السياسية وتوجهاتها الفكرية وتاريخها ونظرتها إلى الحياة كلها أمور لا تؤهلها على رغم التفوق العلمي والتكنولوجي والحربي لأن تقوم بالدور التي كانت تقوم به أي من الإمبراطوريات الكبرى المعروفة في التاريخ سواء أكانت هي أثينا أم الإمبراطورية الرومانية أم الإمبراطورية العثمانية أم أخيراً الإمبراطورية البريطانية وأوضح هانسون فليس ثمة وجه للمقارنة التي يعقدها بعض الأوربيين وبين الرئيس بوش ويوليس قيصر أو وصف الرؤساء والعسكريين الأمريكيين الحاليين بالصفات التي كانت روما تصف بها رجالها وعرض أكثر من مثال على عدم التشابه بين مفهوم الماضي للإمبراطورية والواقع الأمريكي الراهن وقال إذا حدث أن قامت إمبراطورية أمريكية فإنها ستكون إمبراطورية مضحكة وهزلية بين سائر الإمبراطوريات لافتقارها إلى كل العناصر والمقومات اللازمة لقيام كيان إمبراطوري بالمعنى الدقيق للكلمة فأمريكا تعطي أكثر مما تأخذ ولا تسلم في الوقت نفسه من انتقادات الآخرين بل أيضاً من معارضة مفكريها وأدبائها للسياسة التي تنتهجها في التعامل مع الغير بينما كان أدباء الإمبراطوريات الأخرى وشعراؤها يشيدون بإنجازاتها ويمجدون زعماءها ويعملون على تخليد ذكراهم فيما يجد الأمريكيون لذة في السخرية من الزعماء الأمريكيين.


إن العدوان السافر على آل الرسول (عليهم السلام ) ليس خطأ ، بل هو حقد دفين وبغض لئيم لعترة المصطفى(صلى الله عليه و آله وسلم)

بقلم: مصطفى الشيخ عبدالله

""القارعة وما أدراك ما القارعة؟يوم انخلعت بفاجعة البقيع قلوب المؤمنين واقشعرت لها جلود العالمين وارتعشت بها فرائض الإسلام وطاشت لها عقول الأنام،قارعة يا لها من قارعة عصفت في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه،فنسفت ضراح الإمامة وطمست ضرائح القدس والكرامة ونقضت محكمة التنزيل ومطاف جبرائيل وميكائيل"" عبد الله بن حسن باشا صاحب كتاب (صدق الخبر صفحة 141) . اجل أيها الأحبة،كان المسلمون في وداعة وسماحة منذ قرون طويلة،طوال سنتهم، وبعد إنهائهم من فريضة الحج،يعرجون على مدينة الرسول صلى الله عليه وآله،لزيارة قبره الشريف وقبر بنته الصديقة الطاهرة فاطمة بنت محمد عليها سلام الله، وزيارة قبورأهل بيته (ع) الذين طهرهم الله تطهيرا،المستقرة قبورهم في روضة البقيع،حيث حوت تلكالروضة الشريفة الإمام الحسن بن علي،الإمام علي زين العابدين،الإمام محمد]الباقر،والإمام جعفر الصادق (ع)،إضافة إلى ما يقارب عشرة آلاف من الصحابة (رض) إذ أول من دفن في البقيع من المهاجرين الصحابي عثمان ابن مظعون(رض)ومن الأنصار الصحابي أسعد ابن زرارة(رض) والكثير من الهاشميين.
وقد كان المسلمون يتسابقون على زيارة تلك القبور الشريفة والأضرحة المباركة، لماحوته من شخصيات طاهرة مطهرة،من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، الذين خصهم الله
سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بآية التطهير (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وغالبا ما كانوا يجلبون الهدايا والنذور معهم،من حُلى وفُرش
ثمينة وأموال. وقد كانت تلك الأضرحة الشريفة محط رحال المسلمين ولم تزل كذلك، حيث ترى الألوف المؤلفة من المسلمين صافين حول قبر النبي (ص) وقبور أهل بيته (ع) وذلك حبا وتعظيما للرسول واهل بيته الكرام،وتعظيمهم تعظيم للإسلام وتعاليمه. ولكن وألف آه من لكن،وبعد احتلال الوهابيين لمدينة الرسول، يأتي يوم الثامن من شوال من سنة 1344 هجرية ،وتطال يد الغدر والإثم تلك القبور الشريفة والقباب البيضاء،وتحول تلك الروضة في ثلاثة أيام سود حالكة ظالمة من أيام الغدر والبطش والجور على آل الرسول،تحولها إلى ارض صفراء جرداء!؟؟ "معذرة اخوتي أخواتي فقدأخذتني العبرة ورحت في بكاء شديد ولم أتمالك نفسي حين كتبت الجمل السابقة،حيث انهم عليهم السلام مظلومين في حياتهم ومماتهم !؟". يروي الراوي في كتابه (صدق الخبر):""إن الفرقة- يريد الوهابيين- أجبروا كثيرا من الناس على مساعدتهم ومعهم الرفوش والفؤوس،فهدموا جميع ما في المعلى من آثارالصالحين وكانت كثيرة،ثم هدموا قبة مولد النبي (ص)ثم مولد أبى بكر،والمشهور بمولد سيدنا علي(ع)وقبة السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها،وتتبعوا جميع المواضعالتي فيها آثار الصالحين،وهم أثناء هدمهم يضربون الطبول ويرتجزون مبالغين في شتم القبور التي هدموها،ولم تمضي ثلاثة أيام إلا وقد محوا عموم تلك الآثار المباركة،وقد نهبت الفرقة كل ما في الحجرة النبوية من التحف والأموال والمجوهرات،وطردوا قاضي مكة وقاضي المدينة ومنعوا الناس من زيارة النبي(ص)""(صدق الخبر صفحة 152)
نعم،يأبى أعداء الله والرسول واهل بيته، من أن تبقى تلك القباب البيضاء الناصعة،وتلك المشاهد والدور والقبور المشرفة،رمزا خالدا للمسلمين،يأبوا من أن تبقى تلك المعالم الإسلامية،صرحا شامخا يُشم منه عبق النبوة وريح التاريخ وغبار المجد والتغيير والثورة على الجهل والباطل،يأبوا إلا أن يطمسوا هذه المفاخروالمنائر الإسلامية المحمدية،لا لشيء سوى البغض لعلي (ع) وإتباع سنة إمامهم معاوية ابن أبى سفيان وابن آكلة الأكباد عليهم لعنة الله، الذي جعل من سب أمير المؤمنين علي ابن أبى طالب (ع) سنة فوق المنابر، وتطبيقا لفتوى عاقة جائرة لشيخهم ابن تيمية الأموي الناصبي الذي ما فتأ وتلميذه ابن القيم يمجدون معاويتهم وابنه يزيد،و محمد ابن عبد الوهاب الذي تلقى عنهم .
قال شيخهم بن تيمية في (منهاج السنة 185:3):لم يكن من ملوك الإسلام خيرا من معاوية،ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيرا منهم في زمن معاوية،إذا نسبت أيامه إلى من بعده.وإذا نسبت أيام أبى بكر وعمر ظهر التفاضل.وقد روى أبو بكر الاثرم،قال حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة،حدثنا محمد بن مروان،عن يونس،عن قتادة قال:لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم:هذا المهدي.
الله اكبر يا ابن تيمية،معاوية هو المهدي بتحريفه للوحي، وبوضعه آلاف الأحاديث المكذوبة على الرسول وبخروجه على خليفة المسلمين وإمام زمانه علي (ع) في الجمل،وبنكثه العهد بينه و الإمام الحسن(ع)،وبقتله الصحابي الجليل حجر ابن عدي(رض)،وبجعله الحكم ملكا عضوضا يتوارثه بني أمية،الشجرة الملعونة في القرآن و و و ....نعم هذا هو المهدي في نظر ابن تيمية ومن والاه،من النواصب جنود بني أمية أمثال أبى بكر ابن العربي صاحب (العواصم من القواصم) ومحب الدين الخطيب وأبو منتصر البلوشي،وعثمان الخميس الكويتي،الذي صرح من قناة المستقلة أن يزيد هو أمير للمؤمنين صالحا أم طالحا، وأن عليا لم يفعل شيئا للإسلام في مكة سوى مبيته في فراش الرسول ليلة الهجرة!؟؟؟ والحديث لم يزل حول معاوية، حيث يصرح الأستاذ جورج جرداق في الجزء الرابع من كتابه (الإمام علي):""إن ابرز الأمويين تمثيلا لخصائص أمية هو معاوية بن أبى سفيان،وأول ما يطالعنا من صفاته انه لم يكن على شيء من الإنسانية والإسلام"" وذات يوم في الجاهلية تقاضى عبد المطلب جد علي (ع) وحرب ابن أمية جد معاوية إلى نفيل بن عدي فقضى لجد علي،وقال لجد معاوية:أبوك معاهر وأبوه عف وذاد الفيل عن بلد الحرام هذا هو معاوية،الذي هو لدى البعض وللأسف الشديد خليفة للمسلمين ومن الصحابة الأجلاء!!؟ ورجوعا لهدم القبور، قال ابن القيم تلميذ ابن تيمية في كتابه زاد المعاد في هدى خير العباد صفحة 661 "يجب هدم المشاهد التي بنيت على القبور ولا يجوز إبقائها- بعد القدرة على هدمها وإبطالها- يوما واحدا" فما تقول في فتاوى أطلقها أناس تسموا بالمشيخة وليسوا منها،حيث أفتوا بوجوب هدم القبور والمشاهد الشريفة؟وكانوا مصدرا للتكفير وللفتنة الدائمة و سببا في اتساع رقعة الخلاف بين أهل القبلة،إذ لا ينظرون للأمور إلا بمنظار البدعة والشرك والكفر!!
أجل،فبعد احتلال الوهابيين للمدينة المنورة في عام 1344 ،استفتى شيوخهم- تحت التهديد والترهيب- علماء المدينة حول وجوب هدم القبور،حيث أرسل الوهابيون قاضي القضاة في نجد سليمان بن بليهد إلى علماء المدينة يستفتيهم حول بناء مراقد أولياءالله،وكان يحمل أسئلة متضمنة الأجوبة من وجهة نظر الوهابيين،وقد صدرت الفتوى بوجوب الهدم وذلك تحت التهديد!؟؟
يقول سماحة العلامة الشيخ جعفر السبحاني في كتابه الوهابية في الميزان صفحة 54 "وهذا ما حصل بالفعل،فبعدما صدرت تلك الفتوى من خمسة عشر عالما من علماء المدينة،وانتشرت في الحجاز،بدأت السلطات الوهابية بهدم قبور آل الرسول(ص)في الثامن من شوال من نفس العام،وقضت على آثار أهل البيت عليهم السلام،والصحابة،ونهبت كل ما كان في ذلك الحرم المقدس من فُرش غالية وهدايا ثمينة وغيرها،وحولت تلك الزمرة الوحشية البقيع المقدس إلى ارض قفراء موحشة" وقد نشرت جريدة أم القرى الصادرة في مكة ،في شوال 1344 تلك الأسئلة والأجوبة،وقد أثارت ضجة كبيرة بين أوساط المسلمين،سنة وشيعة.
إن هذا العدوان السافر على آل الرسول (ع)، ليس خطأ وليس اشتباها كما قال البعض،بل هو حقد دفين وبغض لئيم لعترة المصطفى(ص) وشيعتهم،فقد هجم الوهابيون قبل ذلك في العام 1216هجرية على كربلاء المقدسة،وقتلوا زوار الحسين (ع)ونهبوا ما في خزانة الحرم المطهر،وقد ارتكب الوهابيون جرائم وفظائع لا توصف،فقد قيل انهم قتلوا نحو خمسة آلاف مسلم أغلبهم من الأخوة الإيرانيين،وكرروا الهجوم على النجف الاشرف كذلك، وقد فعلوا ومثلوا تماما كما فعل ومثل يزيد وجنوده في هجومه على مكة والمدينة.
والمجازر التي ارتكبت في مزار شريف وباكستان لم تزل رطبة،وهي مثال لعنجهية هؤلاء القوم،الذين لا يعرفون من الإسلام إلا الشرك والتكفير والتصفية الجسدية.
إنا لله وإنا إليه راجعون،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون،والعاقبة للمتقين،ولا عدوان إلا على الظالمين.


هدم قبور البقيع
مقتبس من مقال: السيد حيدر الحائري
 

بسمه تعالى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله الطيبين الطاهرين المختارين من الله لإمامة عباد الله سبحانه وتعالى.
إن الأُمَمُ المتمدِّنة المتحضرة في العالم تَعمدُ إلى بناء قبور شخصياتها ورموزها ليكونوا مناراً للأجيال على مدِّ العصور والأزمنة، وتحافظ عليها وتحترمها وحتى القبور الوهمية والمراقد الرمزية باسم الجندي المجهول وغيره.
ولكن مع الأسف الشديد، فإن الفرقة الوهابية هجموا بكل وحشيّة وتهكم وشراسة على مراقد أهل البيت (عليهم السلام) ومنتسبيهم في البقيع الطاهر وهدموا قبابهم المقدسة وساووا قبورهم الطاهرة بالأرض وسحقوها سحقاً وذلك في اليوم الثامن من شوال 1344هـ فكأنهم قد أسفوا على عدم وجودهم مع أسلافهم في السقيفة أو أسلافهم في كسر ضلع بنت الرسول (صلى الله عليه وآله) وريحانته وحرق بيتها وهدمهم ركن الدين وعمود المؤمنين في قتل أمير المؤمنين (عليهم السلام) أو رشق جنازة الإمام الحسن المجتبى (عليهم السلام) السبط الأكبر للنبي المصطفى أو مع أسلافهم الذين سحقوا جسد الحسين الشهيد (عليهم السلام) سبط الرسول وقرة عين الزهراء البتول وأجساد أهل بيته وأنصاره المستشهدين معه بخيولهم.
ولكن إذا لم يدركوا ذلك الزمان ولم ينالوا من أجساد آل النبي (صلى الله عليه وآله) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقد نالوا من مراقدهم الشريفة وسحقوا قبابها الطاهرة.
محاولين أن يمحوا ذكرهم ويزيلوا حبهم من قلوب مواليهم وطمس ذكراهم من التاريخ.
ولكن هيهات هيهات أيها الحاقدون على دين رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلمات قالتها البطلة العظيمة و المجاهدة الشامخة زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ليزيد بن معاوية "والله لَن تَمحُوَ ذِكرَنا" كلمات لازالت أصداؤها تُدَوّي وستظل إلى أن نلقى الله تعالى أحكَم الحاكِمين.
في اليوم الثامن من شوال 1344هـ هُدِمَت قبور أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) و عترته الطاهرة في البقيع، وقبور شهداء أحُد وسيدهم حمزه سيد الشهداء وقبور غيرهم من الصحابة الكرام، مهدومةً مهجورة ليس هناك سقف يَستظِلّ به الزائرون، ولا مصباح ولا سراج يستضيء بنوره الوافدون، بمرأى من المسلمين وهم أحق من غيرهم بحفظ تلك المعالم الفاخرة والمراقد الطاهرة، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حُرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً، وكم عندنا وعند إخواننا أصحاب مدرسة الخلفاء من الأخبار المروية في فضل زيارة قبور المؤمنين، وإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يذهب إلى البقيع ويستغفر للأموات ولنعم ما قيل:
لِمن القبور الدارسات بطيبة عفت لها أهل الشقا آثارا
قُل للّذي أفتى بهدم قبورهم إن سوف تصلى في القيامة نارا
أعَلِمتَ أيَّ مراقد هدمتها؟ هي للملائك لاتزال مزارا
وفي هذا اليوم على وجه الخصوص يتساءل المسلمون لِمَ هذه المعاملة السيئة مع آل النبي (صلى الله عليه وآله) وهم الذين جعلهم الله تعالى في المرتبة العليا والدرجة العظمى وجعلهم سادة المسلمين وقادة المؤمنين، وهم وحدهم يمثلون جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علمه وحلمه وصفاته وأخلاقه وسيرته وسلوكه.
وأخيراً وليس آخراً أقول بأن لهذه الكلمات بقية في بحث مقبل إن شاء الله تعالى ((وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)). سورة الشعراء آية 227.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته