الامام علی بن الحسین السجاد (ع)
أسماؤه وكناه
الشيء المحقق الذي
أجمع عليه المؤرخون والرواة هو أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه
وآله) قد سمى حفيده بعلي بن الحسين، ولقبه بزين العابدين، وذلك قبل
أن يخلق بعشرات السنين، وكان ذلك من العلامات الباهرة لنبوته...
وقد تظافرت الأخبار بنقل ذلك عنه، وهذه بعضها...
1- روى الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري قال كنت جالساً
عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) والحسين في حجره، وهو يداعبه،
فقال (صلى الله عليه وآله) يا جابر يولد له مولود اسمه (علي) إذا
كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده، ثم يولد
له ولد اسمه محمد، فإن أدركته يا جابر فأقرئه مني السلام..(1).
وأذاع جابر هذا الحديث كما أنه أدرك الإمام محمد الباقر (عليه
السلام) وبلغه هذه التحية من جده الرسول (صلى الله عليه وآله)
فتلقاها الإمام بمزيد من الغبطة والسرور.
2- روى الحافظ ابن عساكر بسنده عن سفيان بن عيينة عن ابن الزبير
قال: كنا عند جابر فدخل عليه علي بن الحسين، فقال له جابر: كنت عند
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل عليه الحسين فضمه إليه،
وقبله، وأقعده إلى جنبه، ثم قال (صلى الله عليه وآله): يولد لابني
هذا ابن يقال له: علي بن الحسين إذا كان يوم القيامة نادى مناد من
بطنان العرش ليقم سيد العابدين فيقوم هو(2).
3- روى سعيد بن المسيب عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) قال: إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين زين العابدين؟
فكأني انظر إلى ولدي علي بن الحسين يخطر بين الصفوف...(3) هذه بعض
النصوص التي أثرت عن النبي (صلى الله عليه وآله) في تسميته لحفيده
بعلي ومنحه بلقب زين العابدين، كما فيها الإشادة بأهميته ومكانته
عند الله تعالى.
مع ابن تيمية:
وأنكر ابن تيمية تسمية النبي (صلى الله عليه وآله) لولده علي بهذه
الاسم، وقال: هذا شيء لا أصل له، ولم يروه أحد من أهل العلم(4).
وقد أغمض ابن تيمية عينيه عما ذكره الحفاظ وأعلام المؤرخين والرواة
في ذلك.. ولكن الرجل قد مني بالانحراف عن الحق فأعلن العداء لأهل
البيت عليهم السلام الذين الزم الله بمودتهم، وجعلهم الرسول (صلى
الله عليه وآله) سفن النجاة وأمن العباد، وقد تنكر لكل فضيلة من
فضائلهم، وجحد كل ما يرويه الحفاظ من مآثرهم.
كناه وألقابه
كناه:
وكني الإمام زين العابدين (عليه السلام) بما يلي:
(أ) أبو الحسين.
(ب) أبو الحسن.
(ج) أبو محمد.(5)
(د) أبو عبد الله.(6)
(هـ) أبو القاسم.
(و) أبو بكر.
ألقابه:
أما ألقابه
الشريفة فهي تحكي نزعاته الخيرة، وما اتصف به من محاسن الصفات
ومكارم الأخلاق، وعظيم الطاعة والعبادة لله، وهذه بعضها:
1- زين العابدين:
وأضفى عليه هذا اللقب جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) - كما
تقدم - وإنما لقب به لكثرة عبادته(7) وقد عرف بهذا اللقب، واشتهر
به، حتى صار اسماً له، ولم يلقب به أحد سواه، وحقاً أنه كان زيناً
لكل عابد وفخراً لكل من أطاع الله.
2- سيد العابدين:
من ألقابه البارزة (سيد العابدين) وذلك لما ظهر منه من الانقياد
والطاعة لله، فلم يؤثر عن أي أحد من العبادة مثل ما أثر منه عدا
جده الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
3- ذو الثفنات:
لقب بذلك لما ظهر على أعضاء سجوده من شبه ثفنات البعير(8) وذلك
لكثرة سجوده فقد كان من أكثر الناس سجوداً لله تعالى وطاعة له،
وحدث الإمام أبو جعفر محمد الباقر عليه السلام عن كثرة سجود أبيه
قال: إن علي بن الحسين ما ذكر الله عزّ وجلّ نعمة عليه إلا سجد،
ولا قرأ أية من كتاب الله عزّ وجلّ فيها سجود إلا سجد، ولا دفع
الله عنه سوءً يخشاه إلا سجد ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد، وكان
أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك(9) ونظم ابن حماد
كثرة سجود الإمام وعبادته بهذه الأدبيات الرقيقة:
وراهب أهل البيت كان ولم يزل يـــــلقب بالسجـــــاد حيــن تعبده
يقضي بطول الصوم طول نهاره منيــــــباً ويقــــضي ليله بتهجده
فأيـــــــن به مــن علمه ووفائه وأين به من نسكه وتعبده (10)
5- الزكي:
لقب بالزكي لأن الله زكاه وطهره من كل دنس كما زكى آباءه الذين
أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
6- الأمين:
من ألقابه الشريفة التي عرف بها (الأمين)(11) فقد كان المثل الأعلى
لهذه الصفة الكريمة، وقد قال (ع): (لو أن قاتل أبي أودع عندي السيف
الذي قتل به أبي لأديته إليه).
7- ابن الخيرتين:
من ألقابه التي أشتهر بها (ابن الخيرتين) وكان يعتز بهذا اللقب
ويقول: أنا أبن الخيرتين، إشارة لقول جده رسول الله (صلى الله عليه
وآله): (لله تعالى من عباده خيرتان، فخيرته من العرب هاشم ومن
العجم فارس)(12) ونسب الشبراوي إليه هذه الأبيات التي ذكر فيها
اعتزازه بهذا اللقب:
خيـــــرة الله مـــــن الخـــــلق أبي بعـــــد جـــــدي وأنا ابن
الخيرتين
فضة قد صيغـــــت مـــــن ذهــــب فأنـــــا الفـــــضة ابــــــن
الذهبين
من له جد كــــجدي في الـــــورى أو كـــــأبي وأنـــــا ابـــن
القمرين
فـــــاطمة الـــــزهراء أمـي وأبي قاصم الكـــــفر بـــــبدر
وحنـــــيــن
ولـــــه فـــــي يـــــوم أحــــد وقعة شفت الغل بعض العسكرين(13)
وأكبر الظن أن هذه الأبيات ليست للإمام زين العابدين، وإنما قيلت
على لسان أبيه كما هي صريحة في ذلك.
هذه بعض ألقابه، وذكرت له ألقاب أخرى(14) ، وهي تنم عما اتصف به من
الصفات الرفيعة والنزعات العظيمة، منها كما في العوالم ج 18 :
9-السجاد.
10-البكاء.
11-الزاهد.
12-العدل.
13-الخاشع.
14-أبو الأئمة.
15-الخالص.
16-الرهباني
17-وصي الوصيين.
18-العابد.
19- وارث علم النبيين.
20-إمام الأئمة.
21- خازن وصايا المرسلين.
22- سيد الساجدين.
23- منار القانتين.
24-إمام المؤمنين.
العلة التي من أجلها سمي علي بن الحسين (عليه السلام) ذا الثفنات
عن محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال كان لأبي (عليه السلام)
في موضع سجوده آثار ناتية وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة
خمس ثفنات، فسمي ذا الثفنات لذلك.
العلة التي من أجلها
سمي علي بن الحسين (عليه السلام) السجاد
قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) إن أبي علي بن
الحسين (عليه السلام) ما ذكر نعمة الله عليه إلا سجد، ولا قرأ آية
من كتاب الله عز وجل فيها سجود إلا سجد ولا دفع الله تعالى عنه سوء
يخشاه أو كيد كايد إلا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد، ولا
وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع جسده
فسمي السجاد لذلك.
العلة التي من أجلها
سمي علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)
• عن عمران
بن سليم قال: كان الزهري إذا حدث عن علي بن الحسين عليهما السلام
قال حدثني زين العابدين علي بن الحسين، فقال له سفيان بن عيينة:
ولم تقول له زين العابدين؟ قال: لأني سمعت سعيد بن المسيب يحدث ابن
عباس، إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: إذا كان يوم
القيامة ينادي مناد أين زين العابدين فكأني أنظر إلى ولدي علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب يخطو بين الصفوف.
• عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ينادي مناد يوم القيامة أين
زين العابدين، فكأني أنظر إلى علي بن الحسين (عليه السلام) يخطو
بين الصفوف.
• عن سفيان بن عيينة قال: قيل للزهري من أزهد الناس في الدنيا؟
قال: علي بن الحسين عليهما السلام حيث كان وقد قيل له فيما بينه
وبين محمد بن الحنفية من المنازعة في صدقات علي بن أبي طالب (عليه
السلام) لو ركبت إلى الوليد بن عبد الملك ركبة لكشف عنك من غرر شره
وميله عليك بمحمد فأن بينه وبينه خلة، قال: وكان هو بمكة والوليد
بها فقال: ويحك أفي حرم الله أسأل غير الله عز وجل، إني آنف لمن
أسأل الدنيا خالقها فكيف أسألها مخلوقاً مثلي وقال الزهري لأجرم أن
الله تعالى ألقى هيبته في قلب الوليد حتى حكم له على محمد بن
الحنفية.
• عن سفيان بن عيينة قال: قلت للزهري لقيت علي بن الحسين (عليه
السلام)؟ قال: نعم لقيته وما لقيت أحد أفضل منه والله ما علمت له
صديقاً في السر ولا عدواً في العلانية فقيل له وكيف ذلك؟ قال: لأني
لم أر أحداً وإن كان يحبه إلا وهو لشدة معرفته يحسده ولا رأيت
أحداً وإن كان يبغضه إلا وهو لشدة مداراته له يداريه.
• عن سفيان بن عيينة قال: رأى الزهري علي بن الحسين ليلة باردة
مطيرة وعلى ظهره دقيق وحطب وهو يمشي فقال له: يابن رسول الله ما
هذا؟ قال: أريد سفراً أعد له زاداً أحمله إلى موضع حريز فقال
الزهري: فهذا غلامي يحمله عنك فأبى، قال: أنا أحمله عنك، فإني
أرفعك عن حمله، فقال علي بن الحسين: لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني
في سفري ويحسن ورودي على ما أرد عليه أسألك بحق الله لما مضيت
لحاجتك وتركتني، فانصرفت عنه، فلما كان بعد أيام قلت له: يابن رسول
الله لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثراً قال: بلى يا زهري، ليس
ما ظننته ولكنه الموت، وله كنت أستعد، إنما الإستعداد للموت تجنب
الحرام وبذل الندى والخير.
• عن إسماعيل بن المنصور، قال: لما وضع علي بن الحسين (عليه
السلام) على السرير ليغسل نظر إلى ظهره وعليه مثل ركب الإبل مما
كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء والمساكين.
• عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني رأيت
علي بن الحسين (عليه السلام) إذا قام في الصلاة غشى لونه لون آخر،
فقال لي: والله إن علي بن الحسين كان يعرف الذي يقوم بين يديه.
• عن أبي حمزة الثمالي قال: رأيت علي بن الحسين عليهما السلام يصلي
فسقط رداؤه عن أحد منكبيه فقال: فلم يسوه حتى فرغ من صلاته قال:
فسألته عن ذلك فقال: ويحك أتدري بين يدي من كنت إن العبد لا يقبل
من صلاته إلا ما أقبل عليه منها بقلبه وكان علي بن الحسين عليهما
السلام ليخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من
الدنانير والدراهم حتى يأتي باباً باباً فيقرعه ثم يناول من يخرج
إليه فلما مات علي بن الحسين عليهما السلام فقدوا ذلك فعلموا أن
علي بن الحسين عليهما السلام الذي كان يفعل ذلك.
• عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه قال: سألت مولاة لعلي بن
الحسين (عليه السلام) بعد موته فقلت صفي لي أمور علي بن الحسين
(عليه السلام) فقالت: أطنب أو اختصر؟ فقلت: بل اختصري قالت: ما
أتيته بطعام نهاراً قط ولا فرشت له فراشاً بليل قط.
• عن عبد العزيز بن أبي حازم قال: سمعت أبا حازم يقول: ما رأيت
هاشمياً أفضل من علي بن الحسين وكان (عليه السلام) يصلي في اليوم
والليلة ألف ركعة حتى خرج بجبهته وآثار سجوده مثل (كركرة البعير).
الهوامش:
1- وسيلة المآل في مناقب الآل ص 7 مصور في مكتبة الإمام أمير
المؤمنين.
2- تأريخ دمشق ج 36 ص 121 مصور في مكتبة الإمام أمير المؤمنين.
3- علل الشرايع ص 87 البحار ج 46 ص 3.
4- منهاج السنة ج 2 ص 123.
5- تهذيب اللغات والأسماء القسم الأول ص 343 نور الأبصار ص 137 صفة
الصفوة ج 2 ص 52 تحفة الراغب ص 13.
6- تهذيب الكمال م 7 ق 2 ص 334 مصور في مكتبة السيد الحكيم سير
أعلام النبلاء ج 4 ص 237 تأريخ الإسلام ج 2 ص 66 تأريخ دمشق ج 36 ص
142 مصور في مكتبة الإمام أمير المؤمنين.
7- تهذيب التهذيب ج 7 ص 306 شذرات الذهب ج 1 ص 104 وجاء فيه (سمي
زين العابدين لفرط عبادته).
8- صبح الأعشى ج 1 ص 452 بحر الأنساب ص 25 تحفة الراغب ص 13
الأضداد في كلام العرب ج 1 ص 129 ثمار القلوب ص 291 وجاء فيه (كان
يقال لكل من علي بن الحسين، وعلي بن عبد الله بن العباس ذو الثفنات
لما على أعضاء السجود منهما من السجادات الشبيهة بثفنات الإبل وذلك
لكثرة صلاتهما).
9- وسائل الشيعة ج 4 ص 977 علل الشرايع ص 88.
10- المناقب.
11 ـ الفصول المهمة لابن الصباغ ص 187 بحر الأنساب ص 52 نور
الأبصار ص 137.
12- الكامل للمبرد ج 1 ص 222 وفيات الأعيان ج 2 ص 429.
13- الإتحاف بحب الأشراف ص 49 - وفي صدر البيت الثاني - كما لا
يخفى - زحاف.
14- ناسخ التواريخ.
|